28/1/2019 استمع حجم الخط طباعة
شادي عبد الحافظ
لطالما حددت المواد مستقبل البشرية. ومع اكتشاف كل مادة جديدة تحدث ثورة في الطريقة التي نتكيف بها مع العالم، حتّى إننا نسمي عصور تقدم البشرية القديمة بأسماء المواد التي شكلت أدوات تلك العصور، فتجد العصر الحجري والعصر البرونزي والعصر الحديدي.
وفي كل من تلك المراحل الزمنية، اعتمدت التكنولوجيا بالكامل على هذه المادة، أما الآن فيبدو أننا على مشارف عصر جديد من تاريخنا، ألا وهو عصر الغرافين. عصر الغرافين قبل أيام عدة أعلنت شركة نانوتك إينرجي عن توصّل الفريق البحثي الخاص بها للطريقة المثلى لإنتاج الغرافين، إذ وصلت مساحة سطح الغرام الواحد من هذا المنتج الجديد الخاص بها إلى 2500 متر مربع، مما يعني قفزة كبيرة عن أقرب منافسيها من الشركات التي كانت حدودها هي دائما 400 إلى 500 متر مربع من الغرام الواحد.
"الغرافين هو ثورة حقيقية"، كما يقول ماهر القاضي مدير قسم البحث العلمي بشركة نانوتك إنيرجي وأحد مؤسسيها، والباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا، في حديثه مع الجزيرة نت.
ويضيف الباحث "يسميها البعض بالمادة العجيبة لما لها من خواص فريدة تجعلها من المواد المرشحة لإحداث نقلة ثورية في تكنولوجيا الإلكترونيات".
الغرافين هو -ببساطة- نوع من الكربون. حينما تكتب بالقلم الرصاص على ورقة بيضاء فأنت تضع طبقة رقيقة جدًا من ذرات الكربون على الورقة، لكن رغم رقّتها الشديدة فإنها تحوي عددا كبيرا جدا من طبقات ذرّات الكربون، ويكفي أن تعرف أن عرض الشعرة البشرية الواحدة هو مليون ذرة.
بدأت ثورة الغرافين في العام 2004 حينما أعلن كل من كوستيا نوڤوسيلوڤ وأندريه جايم تمكنهما، بطريقة مفاجئة، من عزل ذرات الكربون عن سطح الغرافيت (المادة الموجودة في القلم الرصاص) على شكل طبقة بسمك ذرة كربون واحدة ممتدة تتجمع فيها الذرات في صورة حلقات سداسية متكررة.
📷ماهر القاضي: الغرافين ثورة حقيقية (الجزيرة)
خصائص فائقة حصل الثنائي على جائزة نوبل في الكيمياء للعام 2010 عن اكتشافهما للغرافين. ومنذ اكتشافه بدأ الباحثون من أنحاء العالم في الالتفات إلى ما يمكن أن يقدمه الغرافين من خدمات للتكنولوجيا.
في تلك النقطة كان ماهر القاضي قد وصل إلى جامعة كاليفورنيا ليبدأ ببحث الدكتوراه الخاص به، وكانت محاولاته الأولى هي إنتاج الغرافين بكميات كبيرة.
للغرافين خصائص تجعله أكثر أهمية بالنسبة للتكنولوجيا من أي مادة أخرى، حسب القاضي، موضحا أن سبب ذلك هو خصائص عدة غاية في الأهمية للغرافين، الأولى هي قوّته مما يجعله قادرًا على تحمل الضغط، والثانية هي التوصيل الفائق حيث تتحرك الشحنات الكهربائية على سطح الغرافين دون مقاومة، والثالثة هي أنه مرن يمكن تشكيله ومطّه بأي صورة، كما أنه شفّاف، فسمكه هو ذرة واحدة فقط.
بعد أن تمكن القاضي من إنتاج الغرافين بكميات كبرى عبر فكرة ذكية تضمنت إضافة ذرّات أكسجين لطبقات الغرافيت ثم نزعها عنها بالحرارة، انتقل نشاطه لتأسيس الشركة الجديدة التي تعمل في تكنولوجيا الغرافين.
وأحد اهتمامات الشركة الأولى كانت إنتاج بطاريات أكثر قدرة على حمل الطاقة كما يمكن شحنها في ثوان.📷
📷حبر الغرافين من إنتاج نانوتك إنيرجي (الجزيرة)
حبر الغرافين يشرح القاضي أنه في البطّارية العادية، تنتج الطاقة من تفاعل كيميائي، أما بالنسبة للغرافين فإن شحنات الطاقة تقف على سطحه، وتتحرك فقط عبر خواصها الفيزيائية.
ويقصد أن الفارق بين بطارية هاتفك وبطارية من الغرافين هو أنه في الحالة الأولى تحتاج البطارية لمجموعة من التفاعلات من أجل تخزين الطاقة، وهو ما يتطلب وقتا للحدوث، بينما في حالة الغرافين لا تحتاج البطارية إلى تلك التفاعلات، مما يجعله أسرع بحيث يمكن شحن البطارية بالكامل في ثوان.
يشير القاضي أيضا إلى أن إحدى مزايا هذا النوع من البطاريات هي قدرته على حمل قدر أكبر من الشحنات، لأن الغرافين هو طبقة واحدة فقط من الكربون، مما يعني أنه يمكن لغرام واحد فقط منها -نظريًا- أن يملأ عشرة ملاعب كرة قدم.
طيّ كل تلك المساحة في بطارية صغيرة يعني كما كبيرا من الطاقة، وهو ما سيفتح الباب -بحد تعبير القاضي- لمستقبل ثوري بالنسبة للسيارات الكهربائية على سبيل المثال.
من جهة أخرى، فإن القسم البحثي الذي يديره القاضي يعمل على تحسين إنتاج ما يسمّى "حبر الغرافين"، وهو مسحوق من الغرافين يمكن -حرفيا- طباعته على لوحات المعالجات الإلكترونية.
ويعمل المسحوق بديلا للترانزستورات، التي ستواجه مشكلة قريبة حينما لا يتمكن العلماء من رفع عددها من أجل تطوير الحواسيب الدقيقة، وبالتالي يتمكن الغرافين من أن يحل محلها، إضافة إلى خواصه الفائقة.📷
📷أنبوب نانوي كربوني (بكسباي)
تحديات مستقبلية يقول القاضي إن "المشكلة التي واجهت الغرافين دائما كانت متعلقة بسمك طبقاته"، مضيفا أنه كلما كان سمك عدد طبقات الغرافين أكبر من ذرة واحدة، انخفضت جودة خواصه الفائقة، والمشكلة أن الغرافين يميل للالتصاق ببعضه بعضا في صورة طبقات كصفحات الكتاب.
لهذا السبب كان هدف البحث العلمي في هذا المجال هو دائمًا الاقتراب من الحد النظري، وهو أن يملأ الغرام الواحد ما مساحته 2630 مترا مربعا، يضيف القاضي "في تلك النقطة يدخل اكتشافنا الجديد".
لذلك فإن النجاح الأخير الذي أعلنت عنه شركة "نانوتك إنيرجي" هو خطوة مهمة -بحد تعبير القاضي- في تحسين إنتاج الغرافين، مما يحسن بدوره من فرصنا للحصول على منتجات الغرافين الثورية في وقت أقرب من المتوقع.
في هذا النوع من الثورات لا يكفي فقط أن تكون المادة الجديدة أفضل من سابقتها، بل يجب أن تمتلك خواص جديدة تجعل من استخدامها نقلة نوعية، لهذا السبب فإن الغرافين يحتاج لوقت كي يثبّت وجوده.
على مدى أكثر من 15 سنة يعمل عدد ضخم من الباحثين في هذا المجال للوصول إلى نقطة انطلاق نهائية يدخل الغرافين من خلالها في كل شيء ذي علاقة بالتكنولوجيا، ويبدو أننا على الطريق.📷
المصدر : الجزيرة
Comentarios